اتفاقيات القطاع الحكومي- إضاءات إعلامية أم إنجازات وهمية تتعارض مع رؤية 2030؟

المؤلف: عبدالله المحيميد10.15.2025
اتفاقيات القطاع الحكومي- إضاءات إعلامية أم إنجازات وهمية تتعارض مع رؤية 2030؟

تهدف رؤية المملكة 2030 إلى إرساء دعائم إدارة حكومية راسخة، قوامها ثقافة الإنجاز المتقن، والحوكمة الرشيدة، والمتابعة الدقيقة للتنفيذ، والتقييم المستمر للأداء. فمن بين الالتزامات الجوهرية التي تنطوي عليها الرؤية، تبني ثقافة الأداء كركيزة أساسية في صميم عمل القطاعات الحكومية، حيث تؤكد الرؤية على "اعتماد ثقافة الأداء مبدأً لأعمالنا". وتتضمن أدوات تحقيق برامج الرؤية، المراقبة اللصيقة للتنفيذ والمتابعة الحثيثة للأداء في مختلف الجهات الحكومية، وذلك من خلال "استحداث وحدات ممكّنة في الحكومة لمراقبة التنفيذ ومتابعة الأداء".

وهذا يعني أن غايات برامج رؤية 2030 وآليات تنفيذها تتجاوز مجرد التخطيط الإستراتيجي المنهجي، لتشمل إرساء ثقافة مؤسسية جديدة في القطاع الحكومي، ثقافة تقدس الإنجاز والإتقان، وتقييم الأداء وفقاً لمعايير وأساليب علمية ومنهجية، وتؤسس لأنماط عمل عصرية، ومعايير إنتاج تتسم بالوضوح والشفافية التامة، وتنأى بنفسها عن التضخيم والمبالغات الإعلامية المضللة التي لا طائل منها.

مع ذلك، يلاحظ المرء أن بعض القطاعات الحكومية لا تزال بعيدة كل البعد عن استيعاب ثقافة الرؤية، وأهدافها الطموحة، وأدواتها الفعالة. إذ لا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار عن توقيع اتفاقيات تعاون أو شراكات بين جهات حكومية، أو بين جهة حكومية وإحدى مؤسسات القطاع غير الربحي. بل إن العجب يزداد عندما تكون الاتفاقية مبرمة بين جهتين تنتميان إلى القطاع نفسه. وتقوم هذه الجهات بتنظيم احتفالات ضخمة لتوقيع هذه الاتفاقيات، يحضرها كبار المسؤولين، وتدعى إليها وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وتنشرها الجهة في رسائلها الإعلامية، وتدرجها في تقاريرها السنوية، وكأنها إنجاز عظيم يستحق التنويه.

بدايةً، يجب التأكيد على أن التكامل بين القطاعات الحكومية يمثل أساساً جوهرياً في أداء الحكومة الرشيدة. فالعمل المشترك بين الجهات الحكومية، وحتى غير الحكومية ذات الصلة والاختصاص، هو الأصل الذي لا غنى عنه. ولا يحتاج التعاون أو أي صيغة من العمل المشترك الذي يهدف إلى تحقيق أهداف الجهة توقيع اتفاقية رسمية، فالعمل الحكومي يستند في بنيته وأساساته على التكامل الوثيق بين القطاعات الحكومية المختلفة. بل لا يمكن تصور أن تؤدي جهة حكومية أعمالها بمعزل عن الجهات الأخرى، فالتكامل هو القاعدة الأساسية، وما عدا ذلك يعتبر استثناءً نادراً. وهذا يعني أن هذه الاتفاقيات وبنود الشراكة التي تبرمها الجهات الحكومية مع بعضها البعض، أو مع مؤسسات القطاع غير الربحي، ليست سوى ومضات إعلامية لإنجازات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع. بل إن الكثير منها ينتهي بانتهاء حفل التوقيع، ولا ينتج عنها مخرجات مفيدة أو ذات تأثير إيجابي على أداء الجهة أو المجتمع. فضلاً عن أن موضوعات الاتفاقيات ومذكرات التعاون تندرج ضمن الأعمال الروتينية والأساسية لتلك الجهات. وفي تقديري المتواضع، فإن الجهة التي تهدر وقتها في هذا النوع من الترتيبات تفتقر إلى البرامج والمشاريع الفعلية الملموسة. أي أن حفلات توقيع الاتفاقيات بين الجهات الحكومية ما هي إلا تعويض مصطنع عن غياب المبادرات والبرامج الحقيقية، وهي نوع من التواطؤ الخفي بين التنفيذيين في تلك الجهات على إظهار إنجازات وهمية لا أساس لها من الصحة. أو ما يمكن وصفه بالتكاذب المؤسسي الذي يسهم في إشاعة ثقافة سلبية تتعارض بشكل صارخ مع مبادئ رؤية 2030 وأهدافها النبيلة، وما تصبو إليه من ترسيخ ثقافة الإنجاز والأداء المتميز والمبادرات النوعية المبتكرة في أعمال الجهات الحكومية كافة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة